= تعلق الفتيات بقدوات غير صالحات:
أذهلت الأب المفاجأة وعقدت لسانه، عندما فاجأته ابنته التي لم تتجاوز تسع سنوات بقولها: أنها تريد أن تصبح ممثلة، أو راقصة!
الأب مندهشاً: لماذا يا حبيبتي..؟! فأجابت الابنة: لأنه أقصر طريق لكسب المال، والشهرة..!
وقد سمعت الابنة هذا الكلام من تصريحات إحدى الممثلات في برنامج تلفزيوني.!
¤ أهمية القدوة:
عزيزي المربي، عزيزتي الأم: تعد طريقة التعلم وإكتساب السلوك من خلال القدوة من أكثر طرق التعلم تأثيراً وسهولة، فالنفس بطبيعتها تميل للتقليد، ويزيد هذا الميل في مرحلة المراهقة، وقد تصل إلى مرحلة يطلق عليها بعض علماء النفس تقديس الأبطال -والتقديس لله وحده عز وجل-، ولكنها إشارة إلى قوة تأثير القدوة في هذه المرحلة.
إنّ من أهم سمات مرحلة المراهقة: القابلية الشديدة للإستهواء، والتأثر بالغير، سواء كان في مثل سن المراهق أوالمراهقة أو أكبر منهم، أو شخصية خيالية أو حقيقية من التاريخ، لذلك كان على الوالدين أن يستغلا هذه القابلية الطبيعية للإستهواء ليجذبا منها الفتاة إلى خط الصعود إلى الفضيلة، وإلى القيم العليا والمبادئ الإنسانية الرفيعة، وهذا الإستعداد الشديد للإستهواء لم يخلقه الله عبثاً، ولا ليمثل مشكلة للإنسان، ولكن ليؤدي مهمته في البناء السليم للنفس، وذلك حين يوجّه التوجيه الصالح على الهدي المنهج الربّاني، بينما يمثل خطراً عظيماً مدمراً حين يوجّه توجيهاً سيئاً على هدي المناهج الباطلة المخالفة لهدي رب العالمين -حنان الطوري:دور الوالدين في تنشئة الفتاة،ج1،ص:86.
¤ هل تنجح التربية بدون قدوة؟
بدون وجود القدوة لا ينفع التأديب أو التهذيب، ولا تؤثر الموعظة، وبالتالي قد لا تنجح التربية!!
هذه الحقيقة التي فطن إليها الصالحون قبلنا، فكان أحدهم يقول لمربي أبنائه -وهو من يعادل المدرس في زماننا أو مشرف الحلقة في المسجد-: ليكن أول إصلاحك لهم إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت -أحمد فريد: التربية على منهج أهل السنة والجماعة،ص:255.
ولذلك يتعين على الآباء والمربين إستشعار مسؤوليتهم كقدوات لأبنائهم، وما أعظم موقف الفاروق عمر رضي الله عنه وهو يعلم المربين كيف تكون القدوة، إذ كان يجمع أهل بيته ويقول لهم: أما بعد فإني سأدعو الناس إلى كذا وكذا، وأنهاهم عن كذا وكذا، وإني أقسم بالله العظيم لا أجد منكم واحداً يفعل ما نهيت الناس عنه أو يترك ما أمرت الناس به، إلا نكّلت به نكالاً شديداً.
وتأثير القدوة يقع على أكثر من وجه:
* التأثير العفوي غير المقصود:
وهذا النوع من التأثير يعتمد على مدى إتصاف شخصية القدوة بصفات تدفع الآخرين إلى تقليده، كالتفوق العلمي، والإنضباط الأخلاقي، والتدين الصادق الذي لا يتناقض فيه الظاهر مع الباطن، ولا قول مع العمل، وفي هذه الحالة يصل القدوة إلى درجة التأثير في الآخرين، ويمثل النموذج الذي يسعى مَن حوله لأن يحاكيه ويكون على مثاله، ويصدق فيه قول القائل: فعل رجل في ألف رجل، خير من قول ألف رجل في رجل.
* التأثير المقصود:
وهذا النوع واجبٌ على الآباء والأمهات والمربين والدعاة وكل من أنزله الله تعالى منازل التربية، وجعله رأساً يقتدى به، بدءاً من محيط الأسرة إلى ما هو أوسع من ذلك، وقد مدح الله تعالى طائفة من عباده أدركوا تلك المسؤولية وسألوه عزّ وجلّ أن يؤهلهم لها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان :74] ولقد صلي النبي محمد صلى الله عليه وسلم مرة على المنبر كما روى ذلك الإمام مسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه فكبر وكبّر الناس وراءه، وهو على المنبر ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: «يا أيها الناس إني صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي.
¤ لماذا القدوة المسلمة الآن؟
بالنظر إلى واقع فتياتنا المعاصر وما يجدنه من كثرة الفتن والأهواء، وتكالب التحديات داخلية وخارجية عليهن، يؤكد أن بناتنا بحاجة ماسة للقدوة الحسنة المسلمة، وهي وإن كانت حاجة ماسة لكل عصر وزمان، فإن الحاجة إليها في عصرنا الحاضر أصبحت أكثر إلحاحاً، لما تعانيه المجتمعات المسلمة من هجمة شرسة على المرأة المسلمة خارجياً وداخلياً، من مؤتمرات مشبوهة إلى دعاوى باطلة تحاول أن تطمس الحق وتزين الباطل لنسائنا وبناتنا، إضافة إلى تغييب متعمد لظهور القدوات الصالحات وإبرازهن إعلامياً، في حين لا يخفي بروز قدوات نسائية فاسدة خلقياً وفكرياً، مما يشكل خطراً على الفتاة إن لم يربطها الوالدان مبكراً بالقدوات الصالحات.
ويزيد من قوة تأثير هذه الدعاوى أمران خطيران:
ـ ضعف البناء العقدي لبعض فتياتنا، وعدم وعي بعض الأسر المسلمة بأهمية تكوين قاعدة ثقافية إسلامية لدى الفتاة المسلمة، تمكنها من الثقة في عقيدتها ومنهجها، والمدافعة والوقوف في وجه مثل هذه التيارات.
ـ غياب المرأة المسلمة القدوة عن ساحة الإعلام أو الظهور بصفة عامة، ويقابله تشويه متعمد لصورة المرأة المسلمة، كما يقابل ذلك كم هائل من الغثائية الأنثوية التي لا تمثل قيم ومبادئ ديننا الحنيف بصورة صحيحة.
ولذلك كله فنحن بحاجة للقدوة المسلمة في محيط فتياتنا في المنزل، والمدرسة، وحلقات تحفيظ القرآن، وأن تتصف هذه القدوة بأنها إسلامية المنهج عصرانية الحياة، قادرة على التأثير في سلوك وتوجه فتياتنا، وأهم من ذلك أن تتمكن من تحقيق الإشباع والإحتواء العاطفي للفتيات، من خلال فهم النفسيات وتقدير خصائص المراحل العمرية، والرفق واللين وأن يكون شعارها نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].
كما أن هناك جوانب أخرى في مسألة القدوة تستدعي التركيز والإهتمام، حتى يتكامل ربط الفتاة بالقدوات الصالحات، وبناء القدوة في شخصيتها الواعدة، مثل:
= إبراز القدوات الصالحات:
عبر التاريخ في الماضي -والذي يزخر تاريخنا الإسلامي بهن- ومن النابغات في الحاضر أيضاً، ومن القريبات إن وجدن في محيط العائلة أو الوسط الإجتماعي الذي تعيش فيه الفتاة. وتأتي على قمة هذه النماذج أمهات المؤمنين، والقدوات النسائية التي عينها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ*وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:11-12]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع، مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» متفق عليه، كل ذلك يقدمه الوالدان للفتاة مع إبراز جوانب الإقتداء وإتخاذ الأسوة الحسنة في تلك الشخصيات.
= متابعة إنجازات المرأة المسلمة المعاصرة:
وذلك بشكل يظهر لفتياتنا قوة المنهج الإسلامي، وعزة المرأة المسلمة داخل إطار هذا المنهج، وأنّ التزامها بشرائع الإسلام لا يعوقها أبداً عن التفوق والإنجاز المتميز الذي تفخر به أمتها، وحبذا لو لُفت نظر الفتاة إلى إنجازات الفتيات في مثل سنها، فذلك أقوى في التأثير والإقتداء، ومازالت شبكة المعلومات الدولية والقنوات الفضائية الثقافية الهادفة المهتمة بالشباب تطلعنا كل يوم بما يثلج الصدور من إنجازات جديدة لفتيات في عمر الزهور على المستويات العلمية -خاصة مجال تكنولوجيا المعلومات، والحاسبات-، والأدبية والدعوية والتثقيفية، وغير ذلك، وكثيرات منهن حققن الإنجازات وحصدن الجوائز، كما يمكن للوالدين إحضار الإنتاج العلمي والأدبي للمرأة المسلمة، وتقديمه للفتاة لإفادتها منه وحفزها به أيضاً.
= ربط القدوة بجانب الموهبة والإبتكار لدى الفتاة:
فالكثير من فتياتنا يتمتعن بمواهب وقدرات كبيرة على الإبتكار في مجالات شتى، وهذا مجال جيد للربط بالقدوات الصالحة، فإن برعت الفتاة في الشعر فلتكن قدوتها الخنساء رضي الله عنها، وإن برعت في الخطابة فقدوتها وافدة النساء وخطيبتهن أسماء بنت يزيد بن السكن، وإن برعت في الخط والزخرفة الإسلامية فهناك شهدة الكاتبة.. وهكذا.
¤ التدقيق والرقابة على ما تراه الفتاة وتسمعه:
فنحن الآن في زمن السماوات المفتوحة، فإذا أهملت الفتاة وتُركت لتتشرب كل ما تشاهده أو تسمعه أو تقرأه من غثٍ وتافه وفاسد، فقد تنشأ وقد تبنت نماذج سيئة تحتذيها في السلوك والمظهر خارج النطاق الذي ينبغي أن يُقتدى به -يوسف رشاد: الأسلوب الأمثل في تربية البنات في الإسلام،ص:71.
¤ تربية الفتاة على أن تكون قدوة:
والإعتزاز بالدين والثقة التامة في منهجه وأن تكون هي لمن حولها قدوة صالحة ومنارة هدى لمن حولها من فتياتنا الصغيرات، فإن إيجاد قدوة للفتيات من بينهن أمر يستحق التخطيط له والحرص عليه، ليصبح لدينا قدوة صغيرة في السن في مجال الدعوة، والإلتزام بالزي الشرعي، وفي التفوق العلمي والأدبي، ويمكن لذلك أن يتحقق من خلال تشجيع وتكريم ذوات الموهبة والقدرة على الإنجاز، فالتعزيز الإيجابي والتكريم يجعل منهن قدوة تسعى الأخريات للإحتذاء بها والسير على نهجها.
وأخــيراً:
ولنعلم جميعاً أنّ التربية بالقدوة الحسنة هي العماد في تقويم البنين والبنات، بل هي الأساس في نحو الفضائل والمكرمات.
فحرىٌ بنا أن يجد فينا أبناؤنا وبناتنا القدوات الصالحات، حتى لا يضيعوا في متاهات الفساد، وعندئذ تظل مبادئنا الإسلامية وما قدمناه لهم من نماذج حية للصلاح والإستقامة هي أصولهم التي ينتمون إليها وينطلقون منها، ليصيروا شموس إصلاح، وأقمار هداية، يستضيء أبناء المجتمع بنورهم، ويتأسون بمحاسن أخلاقهم، ويصدق فيهم قول الله تعالى: {أولئك الذين هدى اللهُ فبهداهم اقتده} [الأنعام:90].
الكاتب: سحر شعير.
المصدر: موقع لها أون لآين.